فصل: فائدة لغوية في {لما}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة لغوية في {لما}:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلَمَّا يَأْتِكمْ} الواو للحال، والجملة بعدها في محلِّ نصبٍ عليها، أي: غير آتيكم مثلهم. ولما حرف جزمٍ، معناه النفي؛ كلم، وهو أبلغ من النفي بلم؛ لأنَّها لا تنفي إلاَّ الزمان المتصل بزمان الحال. والفرق بينها وبين لم من وجوهٍ:
أحدها: أنه قد يحذف الفعل بعدها في فصيح الكلام، إذ دلَّ عليه دليلٌ.
وهو أحسن ما تخرَّج عليه قراءة وإِنْ كُلًا لَمَّا كقوله: الوافر:
فَجئْتُ قُبُرَهُمْ بَدْءًا وَلَمَّا ** فَنَادَيْتُ الْقُبُورَ فَلَمْ تَجِبْنَهْ

أي: ولمَّا أكن بدءًا، أي: مبتدئًا؛ بخلاف لم فإنه لا يجوز ذلك فيها إلا ضرورة؛ كقوله: الكامل:
وَاحْفَظْ وَدِيعَتَكَ الَّتِي أُودِعْتَهَا ** يَوْمَ الأَعَازِب إِنْ وَصَلْتَ وَإِنْ لَمِ

ومنها: أنَّها لنفي الماضي المتصل بزمان الحال، ولم لنفيه مطلقًا أو منقطعًا على ما مرَّ.
ومنها: أنَّ لما لا تدخل على فعل شرطٍ، ولا جزاءٍ بخلاف لم.
ومنها أنّ لم قد تلغى بخلاف لَمَّا، فإنها لم يأتِ فيها ذلك، وباقي الكلام على ما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة الحُجُرَاتِ عند قوله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان} [الحجرات: 14].
واختلف في لما فقيل: مركبة من لم وما زيدت عليها.
وقال سيبويه: بسيطة وليست ما زائدة؛ لأنَّ لما تقع في مواضع لا تقع فيها لم؛ يقول الرجل لصاحبه: أقدِّم فلانًا، فيقول لما، ولا يقال: لم مفردةً.
قال المبرّد: إذا قال القائل: لم يأتني زيدٌ، فهو نفيٌ لقولك أتاك زيدٌ، وإذا قال لَمَّا يأتني، فمعناه: أنَّه لم يأتني بعد، وأنا أتوقَّعه؛ قال النابغة: الكامل:
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أنَّ رَكَابَنَا ** لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ

اهـ.

.قال ابن عاشور:

الإتيان مجاز في الحصول، لأن الشيء الحاصل بعد العدم يجعل كأنه أتى من مكان بعيد.
والمثَل: المشابه في الهيئة والحالة كما تقدم في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذين استوقد نارًا} [البقرة: 17].
و{الذين خلَوْا} هم الأمم الذين مضوا وانقرضوا وأصل {خَلَوْا} خلاَ منهم المكان فبولغ في إسناد الفعل فأسند إليهم ما هو من صفات مكانهم.
و{من قبلكم} متعلق بخَلَوْا لمجرد البيان وقصد إظهار الملابسة بين الفريقين. اهـ.

.لطيفة لغوية في ورود لفظ {الضُّرِّ} في القرآن:

قال أبو العبَّاس المقريُّ: ورد لفظ {الضُّرِّ} في القرآن على أربعة أوجهٍ:
الأول: الضُّرُّ: الفقر؛ كهذه الآية، ومثله: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ} [يونس: 12]، وقوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر} [النحل: 53] أي: الفقر.
الثاني: الضّرّ: القحط؛ قال تعالى: {إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأساء والضراء} [الأعراف: 94] أي: قحطوا.
أو قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ} [يونس: 21] أي: قحط.
الثالث: الضُّرُّ: المرض؛ قال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ} [يونس: 207] أي: بمرض.
الرابع: الضر: الأهوال؛ قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر} [الإسراء: 67]. اهـ.

.فائدة لغوية في قوله: {قريب}:

{قريب} خبر إنّ. قال النحاس: ويجوز في غير القرآن قريبًا أي مكانًا قريبًا. وقريب لا تثنّيه العرب ولا تجمعه ولا تؤنّثه في هذا المعنى؛ قال الله عز وجل: {إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} [الأعراف: 56]. وقال الشاعر:
له الويلُ إن أمْسَى ولا أُمُّ هاشم ** قريب ولا بَسْبَاسةُ بنْةُ يَشْكُرَا

فإن قلت: فلان قريب لي ثنيت وجمعت؛ فقلت: قريبون وأقرباء وقرباء. اهـ.

.تفسير الآية رقم (215):

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال الفخر:

اعلم أنه سبحانه وتعالى لما بالغ في بيان أنه يجب على كل مكلف أن يكون معرضًا عن طلب العاجل، وأن يكون مشتغلًا بطلب الآجل، وأن يكون بحيث يبذل النفس والمال في ذلك شرع بعد ذلك في بيان الأحكام وهو من هذه الآية إلى قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم} [البقرة: 243] لأن من عادة القرآن أن يكون بيان التوحيد وبيان الوعظ والنصيحة وبيان الأحكام مختلطًا بعضها بالبعض، ليكون كل واحد منها مقويًا للآخر ومؤكدًا له. اهـ.

.قال الألوسي:

ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أن الصبر على النفقة وبذل المال من أعظم ما تحلى به المؤمن وهو من أقوى الأسباب الموصلة إلى الجنة حتى ورد «الصدقة تطفئ غضب الرب». اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كانت النفقة من أصول ما بنيت عليه السورة من صفات المؤمنين {ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3] ثم كرر الترغيب فيها في تضاعيف الآي إلى أن أمر بها في أول آيات الحج الماضية آنفًا مع أنها من دعائم بدايات الجهاد إلى أن تضمنتها الآية السالفة مع القتل الذي هو نهاية الجهاد كان هذا موضع السؤال عنهما فأخبر تعالى عن ذلك على طريق النشر المشوش وذلك مؤيد لما فهمته في البأساء والضراء فإن استعماله في القرآن أكثر من المرتب فقال معلمًا لمن سأل: هل سأل المخاطبون بذلك عنهما؟ {يسئلونك ماذا} أي أيّ شيء {ينفقون} من الأموال. وقال الحرالي: لما كان منزل القرآن على نحو متصرف المرء في الأزمان كان انتظام خطابه متراجعًا بين خطاب دين يتلقى عن الله وبين إقامة بحكم يكون العبد فيه خليفة الله في نفاذ أمره وبين إنفاق يكون فيه خليفة في إيصال فضله، لأن الشجاعة والجود- خلافة والجبن والبخل عزل عنها، فكان في طي ما تقدم من الخطاب الإحسان والإنفاق، وكان حق ذلك أن لا يسأل عماذا ينفق، لأن المنفق هو الفضل كله، قال صلى الله عليه وسلم: «يا ابن آدم! إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك» ففي هذا السؤال ممن سأله له نوع تلدد من نحو ما تقدم لبني إسرائيل في أمر البقرة من مرادة المسألة، لم يستأذن الصديق رضي الله تعالى عنه حين أتى بماله كله ولا استأذن عمر رضي الله عنه حين أتى بشطر ماله ولا استأذن سعد بن الربيع حين خرج لعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما عن شطر ماله وإحدى زوجتيه؛ فكان في هذا السؤال إظهار مثل الذين خلوا من قبلهم ولولا أن الله رحيم لكان جوابهم: تنفقون الفضل، فكان يقع واجبًا ولكن الله لطف بالضعيف لضعفه وأثبت الإنفاق وأبهم قدره في نكس الإنفاق بأن يتصدق على الأجانب مع حاجة من الأقارب فقال تعالى خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم وإعراضًا منه عن السائلين لما في السؤال من التبلد الإسرائيلي- انتهى.
فقال: {قل ما أنفقتم من خير} أي من مال وعدل عن بيان المنفق ما هو إلى بيان المصرف لأنه أنفع على وجه عرف منه سؤالهم وهو كل مال عدّوه خيرًا فقال معبرًا بالماضي ليكون أشمل: {ما أنفقتم من خير} فعمم المنفق منه وهو كل ماله تعدونه خيرًا وخص المصرف مبينًا أهمه لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها فقال: {فللوالدين} لأنهما أخرجاه إلى الوجود في عالم الأسباب {والأقربين} لما لهم من الحق المؤكد بأنهم كالجزء لما لهم من قرب القرابة {واليتامى} لتعرضهم للضياع لضعفهم.
وقال الحرالي: لأنهم أقارب بعد الأقارب باليتم الذي أوجب خلافة الغير عليهم- انتهى {والمساكين} لمشاركتهم الأيتام في الضعف وقدرتهم في الجملة على نوع كسب. قال الحرالي: وهم المتعرضون لغة والمستترون الذين لا يفطن لهم ولا يجدون ما يغنيهم شرعًا ولغة نبوية- انتهى. {وابن السبيل} لضعفه بالغربة والآية محكمة فحمل ما فيها على ما يعارض غيرها. اهـ.

.سبب النزول:

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية أبي صالح: «كان عمرو بن الجموح شيخًا كبيرًا ذا مال كثير فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق وعلى من ننفق؟ فنزلت» وفي رواية عطاء عنه لا إنها نزلت في رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي دينارًا، فقال: أنفقه على نفسك فقال: إن لي دينارين فقال: أنفقهما على أهلك فقال: إن لي ثلاثة فقال: أنفقها على خادمك فقال: إن لي أربعة فقال: أنفقها على والديك فقال: إن لي خمسة فقال: أنفقها على قرابتك فقال: إن لي ستة فقال: أنفقها في سبيل الله تعالى، وعن ابن جريج قال: سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت. اهـ.
في الآية سؤال، وهو أن القوم سألوا عما ينفقون لا عمن تصرف النفقة إليهم، فكيف أجابهم بهذا؟.
والجواب عنه من وجوه أحدها: أنه حصل في الآية ما يكون جوابًا عن السؤال وضم إليه زيادة بها يكمل ذلك المقصود، وذلك لأن قوله: {مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ} جواب عن السؤال، ثم إن ذلك الإنفاق لا يكمل إلا إذا كان مصروفًا إلى جهة الإستحقاق، فلهذا لما ذكر الله تعالى الجواب أردفه بذكر المصرف تكميلًا للبيان وثانيها: قال القفال: إنه وإن كان السؤال واردًا بلفظ {مَا} إلا أن المقصود: السؤال عن الكيفية لأنهم كانوا عالمين أن الذي أمروا به إنفاق مال يخرج قربة إلى الله تعالى، وإذا كان هذا معلومًا لم ينصرف الوهم إلى أن ذلك المال أي شيء هو؟ وإذا خرج هذا عن أن يكون مرادًا تعين أن المطلوب بالسؤال أن مصرفه أي شيء هو؟ وحينئذ يكون الجواب مطابقًا للسؤال، ونظيره قوله تعالى: {قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا هي إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا} {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ} [البقرة: 70، 71] وإنما كان هذا الجواب موافقًا لذلك السؤال، لأنه كان من المعلوم أن البقرة هي البهيمة التي شأنها وصفتها كذا، فقوله: {مَا هِىَ} لا يمكن حمله على طلب الماهية، فتعين أن يكون المراد منه طلب الصفة التي بها تتميز تلك البقرة عن غيرها، فبهذا الطريق قلنا: إن ذلك الجواب مطابق لذلك السؤال، فكذا هاهنا لما علمنا أنهم كانوا عالمين بأن الذي أمروا بإنفاقه ما هو، وجب أن يقطع بأن مرادهم من قولهم: {مَاذَا يُنفِقُونَ} ليس هو طلب الماهية، بل طلب المصرف فلهذا حسن الجواب.
وثالثها: يحتمل أن يكون المراد أنهم سألوا هذا السؤال فكأنهم قيل لهم: هذا السؤال فاسد أنفق أي شيء كان ولكن بشرط أن يكون مالًا حلالًا وبشرط أن يكون مصروفًا إلى المصرف وهذا مثل ما إذا كان الإنسان صحيح المزاج لا يضره أكل أي طعام كان، فقال للطبيب: ماذا آكل؟ فيقول الطبيب: كل في اليوم مرتين، كان المعنى: كل ما شئت لكن بهذا الشرط كذا هاهنا المعنى: أنفق أي شيء أردت بشرط أن يكون المصرف ذلك. اهـ.